لعبت أسر عديدة أدوارًا سياسية خلال فترات متعاقبة من الوجود الإسلامي في الأندلس، ومنها أسرة بني قسي، التي تأرجح موقفها ما بين إظهار الولاء التام للخلافة الأموية، وشق عصا الطاعة وإعلان الثورة في بعض الأوقات.
بشكل عام، لا يمكن فصل الأدوار السياسية للأسر الإسبانية في الأندلس عن السياق العام الذي فُرض عقب الوجود الإسلامي هناك. يشرح مطهري لحسن، وبوشريط امحمد، في دراستهما «موسى بن موسى بن فرتون ودوره السياسي والعسكري في عهد الإمارة الأموية في الأندلس (138-316هـ/ 756-928م)»، أن المجتمع الأندلسي في عصر الإمارة الاموية ضم مزيجًا من العناصر المختلفة من عرب وبربر ويهود، وصقالبة وموالٍ، إضافة إلى السكان الأصليين الذين كانوا يمثلون أغلبية هذا المجتمع.
وانقسم السكان الأصليون إلى قسمين، الأول هو أهل الذمة أو المستعربون، وهم الإسبان الذين ظلوا على ديانتهم، والثاني هم «المسالمة»، وهم الذين أسلموا، وعُرف أبناء «المسالمة» أو «الأسالمة» بالمولدين، وهي تسمية أُطلقت على أبناء الزواج المختلط بين المسلمين من عرب وبربر وإسبان.
المولدون والثورة على الدولة الأموية
وبحسب الباحثيّن، ضمت الأندلس أعدادًا كبيرة من المولدين الذين لم ينسوا أصولهم الإسبانية، حيث كانوا يعتزون بهذا الانتماء، فرغم إسلامهم لم ينصهروا تمامًا في المجتمع الإسلامي الجديد، ولهذا السبب كانوا كثيرًا ما يجنحون إلى العصيان والثورة على الدولة الاموية بالأندلس، بخاصة في فترات ضعفها.
وكان منبع هذه الحركات الأسر العريقة التي كانت تتمتع بمكانة مرموقة قبل الفتح الإسلامي على عهد حكم القوط، حيث كان لها عدة أدوار سياسية وعسكرية، إضافة إلى امتيازات حصلت عليها، ومن ثم عملت كل ما في وسعها للحفاظ عليها، ولم يكن ليتحقق لها ذلك إلا بإعلان إسلامها والتخلي عن ديانتها المسيحية، ولتحقيق ذلك، كانت تسعى للاستقلال بالمناطق التي سكنتها قبل الوجود الإسلامي ليتوارثها من بعدها أفراد أسرتها جيلًا بعد جيل.
وكان بنو قسي إحدى هذه الأسر التي أدت دورًا سياسيًا مهمًا في شبه الجزيرة الإيبيرية قبل الفتح الإسلامي، أي على عهد حكم القوط لها، الأمر الذي مكّن الجد، بفضل حنكته السياسية، من أن يتحصل على منصب مهم، وهو أن يكون واليًا للقوط على الثغر الأعلى، حيث كان يمثل دولة القوط هناك، ينفذ سياسة الملك، ويأتمر بأوامره، ويعمل على وحدة سلامة أراضيه.
واستمر هذا الدور بعد فتح المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية، حيث رحل قسي إلى الشام عند فتح المسلمين أراضيه في الثغر الأعلى، وأسلم على يدي الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (62-86هـ/ 646-705م)، وأعلن ولاءه وطاعته للخليفة، فأقرّه الوليد على منطقة الثغر الأعلى، فعمل قسي على توطيد أركان دولة بني أمية بها والدفاع عنها، لكن ذلك لم يمنع من خروج هذه الأسرة عن طاعة الأمويين في بعض الفترات.
الظهور السياسي الأول
بدأ ظهور بني قسي على مسرح الحوادث السياسية في عهد الدولة الأموية بالأندلس منذ عهد الأمير عبدالرحمن الداخل (138-172هـ/ 756-788م)، عندما حدث تمرد في منطقة الثغر الأعلى أثناء حملة شارلمان الشهيرة على سرقسطة سنة 161هـ/ 778م، فأعلن أبو ثور والي منطقة وشقة استقلاله عن حكومة قرطبة، وانضم هو وسليمان بن يقظان الأعرابي والي برشلونة إلى شارلمان في حملته على شمال شرقي الأندلس.
ويذكر الدكتور كمال السيد أبو مصطفى، في كتابه «بحوث في تاريخ وحضارة الأندلس في العصر الإسلامي»، أنه رغم فشل تلك الحملة في الاستيلاء على منطقة الثغر الأعلى المتاخمة لحدود مملكة الفرنجية، فإنها توضح غلبة النزعة الاستقلالية على معظم ولاة منطقة الثغر الأعلى، وتمكن الأحقاد الشخصية والروح العصبية منهم، والميل إلى الانتقام من الأمير عبدالرحمن الداخل، من دون الاهتمام بسلامة واستقرار الحكم الإسلامي في الأندلس.
أما فرتون بن قسي، أخو أبي ثور، الذي عاش حتى سنة 131هـ/ 750م، فلم تفد المصادر بشيء عنه، بعكس ابنه موسى الذي كان له دور كبير في عهد الأمير هشام الرضا (132-180هـ/ 778-796م). ويروي أبو مصطفى، أنه لما تولى هشام حكم الأندلس عقب وفاة والده عبدالرحمن الداخل، نشب صراع بينه وبين أخيه الأكبر سليمان الذي كان يطالب بالإمارة لنفسه، فاستغل سعيد بن الحسين بن يحيى الأنصاري الفرصة وأعلن الثورة على الأمير هشام في موضع «شاغنت» من نواحي طرطوشة شرقي الأندلس، وأثار هناك العصبيات القبلية الساخطة على بني أمية، واجتمع له خلق كثير، وزحف بهم إلى طرطوشة وتمكن من الاستيلاء عليها.
واتجه الأنصاري بعد ذلك إلى سرقسطة، فتصدى له أحد ولاة الأمويين بالثغر الأعلى وهو موسى بن فرتون بن قسي، الذي كان مؤيدًا للأمير هشام، حيث قتل الأنصاري واستولى على سرقسطة سنة 172هـ/ 788م، غير أن أحد موالي الأنصاري ويسمى جحدر فاجأه بجمع غفير، ودارت بينهما معركة انتهت بمقتل موسى بن فرتون بن قسي، المعروف بموسى الأول.
وفي عهد الأمير الحكم الأول المعروف بالربضي (180-206هـ/ 796-822م) برز بعض الشخصيات من هذه الأسر، منهم مطرف بن موسى بن فرتون بن قسي، الذي كان يتولى حكم بنبلونة عاصمة إمارة نبرة أو بلاد البشكنس حتى عام 183هـ/ 798م، وهي السنة التي ثار فيها أهلها النصارى على المسلمين، بقيادة رجل منهم يدعى بيلاسكو، وقتلوا واليهم المسلم مطرف بن موسى، وانتهى بذلك سلطان المسلمين في هذه المنطقة.
ورغم أن بني قسي كانوا يدينون بالطاعة للأمويين في قرطبة حتى أوائل عهد الأمير الحكم، فإن أحدهم ويدعى فرتون بن موسى لم يلبث أن أعلن العصيان والثورة في سرقسطة سنة 186هـ/ 803م، غير أن ثورته انتهت بالفشل، وقُتل فرتون.
ويذكر أبو مصطفى، أن فيرتون بن موسى كان أول ثائر بالثغر الأعلى من بني قسي على الدولة الأموية، وسيواصل أفراد أسرته التمرد والثورة في الثغر في فترات كثيرة لاحقة، وإن كانوا أحيانًا يلوذون بالطاعة في العهود التي تقوى فيها الحكومة المركزية بقرطبة.
موسى الثاني يشق عصا الطاعة
بعد ذلك، ظهر موسى بن موسى بن فرتون بن قسي، المعروف بموسى الثاني، الذي كان من أبرز زعماء المولدين بالثغر الأعلى في عهد الأمير عبدالرحمن بن الحكم الأوسط (206-238هـ/ 822-852م). وتذكر الدكتورة سامية مصطفى مسعد، في كتابها «التكوين العنصري للشعب الأندلسي وأثره على سقوط الأندلس»، أنه رغم قوة وصلابة موسى الثاني فإنه كان يرتبط بروابط الولاء للدولة الأموية، وظل يبذل الطاعة للأمويين خلال النصف الأول من عهد الأمير عبدالرحمن.
وخلال تلك الفترة اشترك موسى الثاني وأبناؤه في الدفاع عن منطقة الثغر الأعلى وحمايتها من غارات النصارى الإسبان والفرنجة، ولكن سرعان ما توترت العلاقات بينه وبين الخلافة، وكان ذلك في إحدى الصوائف التي وجهها الأمويون إلى بلاد الفرنجة بقيادة عبيدالله بن عبدالله البلنسي إلى أرض الفرنجة، وكان موسى يتولى قيادة مقدمة الجيش.
وفي هذه المعركة اجتمعت الفرنجة من كل جانب وأحاطوا بالمسلمين، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين انتهت بانتصار المسلمين، وأبلى موسى القسوي بلاء حسنًا، وكان له دور كبير في هذا الانتصار، غير أن هذه المعركة كانت سببًا في خروج موسى على طاعة الأمير عبدالرحمن الأوسط.
ففي أثناء عودة الجيش الإسلامي من تلك المعركة تعرض موسى للإهانة من أحد قواد الأمويين، ويدعى خزر بن مؤمن، الذي كان يسعى للتقليل من شأن موسى، فوقع الخلاف بين القائدين، ومن ثم خرج موسى عن طاعة الأمير الأوسط.
وتنقل «مسعد»، عن أحمد بن عمر العذري في كتابه «ترصيع الأخبار وتنويع الآثار»، سببًا آخر لخروج موسى القسوي عن طاعة الأمويين، وهو أن الأمير عبدالرحمن الأوسط أقدم على عزله عن تطيلة وأمر بتولية عبدالله بن كليب الذي كان معروفًا بعدائه لأسرة بني قسي.
وبحسب العذري، كان موسى بن موسى كان على طاعة، حتى ولى عبدالرحمن بن الحكم عبدالله بن كليب سرقسطة، وعامر بن كليب تطيلة، فأغار عبدالله بن كليب على أموال ونقة بن ونقة أخيه موسى بن موسى لأمه، وأخرج عبدالجبار بن قسي من داره، وهدم عامر بن كليب أرض موسى بن موسى، وعقر له خيلًا، وانتهب أمواله وقطع ثماره.
ومما زاد من توتر العلاقات بين موسى القسوي وحكومة قرطبة، أن المطرف بن عبدالرحمن الأوسط خرج بالصائفة إلى أراضي منطقة نبرة أو بنلونة المسيحية في سنة 227هـ/ 842م، فتقاعس موسى عن الاشتراك فيها، وأرسل ابنه فرنتون - نيابة عنه – على رأس فرقة من الفرسان، مما أثار غضب المطرف ولم يضمه إلى جيشه، وأمره بالعودة من حيث أتى، لذلك كله جاهر موسى بالعصيان، وبدأ في معاداة حكومة قرطبة الأموية والتحالف مع أقربائه أصحاب مملكة نبرة.
هزيمة وطلب الأمان
أيًا كان الأمر، فقد عهد الأمير عبدالرحمن الأوسط إلى الحارث بن بزيغ عامله على سرقسطة مهمة محاربة الثائر موسى القسوي، وانتهى القتال بهزيمة موسى في 227هـ/ 842م، واضطر إلى الانسحاب إلى تطيلة، بينما عاد ابن بزيغ إلى مركز ولايته في سرقسطة، بحسب ما ذكرت «مسعد».
لكن لم يلبث الحارث بن بزيغ أن عاود الغزو مرة أخرى في أراضي القسوي، فزحف على تطيلة حيث حاصره حصارًا شديدًا، واضطر موسى إلى طلب الصلح وتنازل لابن بزيغ عن تطيلة، واتجه ناحية منطقة أرنيط.
غير أن موسى القسوي أرسل إلى حليفه وصهره غرسية بن ونقة، أحد أمراء نبرة، يطلب منه العون والمدد، فأعد غرسية جيشًا كثيفًا انضم لقوات موسى القسري، وأعدوا كمينًا للقائد الحارث بن بزيغ ودارت معارك بين الطرفين عند موضع يسمى «بلمة» على نهر أبره، وانتهت الواقعة بهزيمة الحارث بن بزيغ ووقوعه أسيرًا.
وفي عام 228هـ/ 843م خرج الأمير عبدالرحمن للغزو بنفسه إلى إمارة بنبلونة، فتصدى له الثائر موسى القسوي وحلفاؤه النصارى في هذه الإمارة، غير أن موسى وحلفاءه هُزموا هزيمة نكراء، ونجا موسى من الموت بعد أن تمكن من الفرار، وعقب ذلك طلب الأمان، فواق الأمير عبدالرحمن وولاه أرنيط، وأطلق موسى نظير ذلك سراح الحارث بن بزيغ، وكذلك عقد الأمير عبدالرحمن الأمان لونقة بن ونقة شقيق موسى بن قسي كما أقره على بنبلونة على أن يؤدي كل عام جزية مقدارها سبعمائة دينار.
ولم تمضِ شهور على ذلك حتى عاود موسى القسوي العصيان أكثر من مرة، وفي كل منها كان الأمير عبدالرحمن يخرج لمحاصرته، وكان ينال منه، ويعطيه الأمان، إلى أن جاءت سنة 235هـ حيث طلب موسى الأمان ووُلي مدينة تطيلة، ثم وُلي سرقسطة سنة 238هـ، واستقامت طاعته، وقدّم ولده إسماعيل رهينة دليلًا على وفائه، فقبل عبدالرحمن طاعته.
نفوذ أحفاد موسى الثاني
حمل أبناء وأحفاد موسى بن موسى القسوي بعد وفاته لواء التمرد والعصيان ضد الدولة الأموية، وبقي خطرهم ماثلًا حتى نشب خلاف بين إسماعيل بن موسى وابن أخيه محمد بن لُب بن موسى، وتطور إلى حرب بينهما انتصر فيها محمد بن لُب على عمه، وأجبره على التنازل عن سرقسطة وغيرها، بحسب ما ذكر محمد بن إبراهيم أبا الخيل في كتابه «الأندلس في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري 275-300هـ/ 888-912م».
وتفاوضت حكومة قرطبة مع محمد بن لُب، فتخلى عن سرقسطة سنة 271هـ/ 884م مقابل بعض الأموال، واعترفت به حاكما على أرنيط وطرسونة (من أعمال مدينة تُطيلة) وما حولهما من مدن الثغر الأعلى الغربية، وبذلك استقامت طاعته حتى مطلع عصر الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن.
وفي السنة الثانية من عهد الأمير عبدالله حدث نزاع بين محمد بن لُب ومحمد بن عبدالملك الطويل، أحد زعماء الثغر الأعلى، حول أحقية من تؤول إليه أملاك إسماعيل بن موسى عم محمد بن لُب، الذي توفي حينذاك، فارتضيا أن يتحاكما للأمير عبدالله، فكتبا إليه بذلك، فآثر محمد بن لُب وولاه على أملاك عمه.
غير أن محمد بن لُب لم يُجد معه تفضيل الأمير عبدالله له، إذ سرعان ما شق عصا الطاعة، وحاصر مدينة تُطيلة، وقتل أحد القواد الأمويين هناك، ثم احتل المدينة، وأسند إدراتها إلى ابنه لُبّ، بحسب أبا الخيل.
وبدأ محمد بن لُب يتجه لتوسعة رقعة نفوذه في الثغر الأعلى والمناطق المجاورة، فكان من المنتظر أن تكون مدينة سرقسطة أول هدف له، باعتبارها كانت تمثل قاعدة هذا الثغر، فضلًا عن أهميتها الاقتصادية الكبيرة، إذ كانت تحتل موقعًا جغرافيًا ممتازًا، وكانت تشتهر بخصوبة الأرض، وعذوبة المياه، وكثرة الثمار.
وما زاد من إصرار ابن لُب على الاستيلاء على سرقسطة، أنه كان تنازل عنها للإمارة الأموية في وقت سابق، ثم أصبحت منذ أواسط سنة 276هـ/ 889م تحت حكم أسرة بني تُجيب العربية، التي كانت في عداء فاضح مع بني قسي عامة، بحسب أبا الخيل.
حاصر محمد بن لُب مدينة سرقسطة في أواخر عام 276هـ/ 890م بغية الاستيلاء عليها، لكنه لم يفلح في اقتحامها، فعزم على مواصلة الحصار ولو اقتضى ذلك منه عدة سنوات.
ولم يألُ ابن لُب جهدًا في تدعيم نفوذه وتقوية جانبه حينما كانت قواته تحاصر سرقسطة، فأرسل ابنه لُبًّا سنة 283هـ/ 896م، ليعمق سلطانه في المناطق الشرقية من الثغر الأعلى عن طريق بناء بعض الحصون، فاشتبك معه محمد بن عبدالملك الطويل، زعيم أحد الأسر المولدية في الثغر الأعلى، فكانت الهزيمة على يد هذا الأخير.
وصدف أنه في العام نفسه استدعاه أهل مدينة طُليطلة، ربما بسبب تذمرهم من أسرة بني ذي النون البربرية، فسار إليهم محمد بن لُبّ بنفسه ودخل مدينتهم، فأصبحت ضمن أملاكه، وبذا امتد نفوذه حتى الثغر الأوسط من الأندلس.
التحالف مع الثائر ابن حفصون
وحدا تعاظم نفوذ محمد بن لُب بعمر بن حفصون، زعيم المولدين في الجنوب الأندلسي، للتحالف معه ضد الدولة الأموية سنة 285هـ/ 898م، فوافق ذلك هوى في نفس ابن لُب، بيد أن دعوة ابن حفصون جاءت ابن لُب في وقت كان قد قرر فيه التضييق على سرقسطة بأقصى ما يستطيع، حيث كان قد شرع في بناء سور يحيط بها، ليقطع صلتها تمامًا بالمدن المجاورة، لذا أناب ابنه لُبًا لإتمام التحالف، فبعثه على رأس قوة كبيرة.
وأراد محمد بن لُب بهذا التحالف أن يحقق هدفين، أولهما توسيع نطاق سلطانه جنوبًا، بدليل أن لُبا استولى بالقوة على حصن في نواحي جيان بعد أن قتل أهله، وثانيهما عقد حلف مع عمر بن حفصون وغيره من المولدين في المنطقة من أجل تسديد ضربة قاصمة للإمارة الأموية.
وفي الوقت الذي كان فيه لُب بن محمد يقوم بمهمته تلك، ترامت الأنباء باغتيال والده محمد بن لُب وهو يتفقد جنده المحاصرين لسرقسطة، فعجّل بالإياب دون أن يتم اللقاء بينه وبين ابن حفصون، وبذا وُئد مشروع التحالف بينهما في مهده.
إظهار الطاعة للدولة الأموية
وأظهر لُب بن محمد - الذي آلت إليه الزعامة بعد أبيه – الطاعة للأمير عبدالله، وطلب منه أن يسجل له رسميًا على أراضيه، فأجابه الأمير إلى ذلك. ويذكر أبا الخيل، أن الذي دفع لُبًا على فعله هذا هو أن الإمارة الأموية كانت قوتها آنذاك في تصاعد مستمر، وكان أعداؤه في الثغر من بني تُجيب وبني الطويل يظهرون الولاء لها، فلعله أراد بإظهار الطاعة أن يضمن بقاء حكمه على ما كان تحت يديه من بلاد.
وظل الأمر على حاله حتى عام 294هـ/ 906م، عندما فقد لُب بن محمد حياته في حرب مع نصارى منطقة ناقار، الذين كانوا يتربصون بالقرى والمدن الإسلامية المجاورة لهم.
وبمقتل لُب بن محمد ضُعف شأن بني قسي في الثغر الأعلى، ولم يبق لهم أي دور بارز في حركة التمرد ضد حكومة قرطبة، إذ اتجه أخوه عبدالله الذي تولى زعامة أسرة قسي إلى فض الحصار المضروب على سرقسطة، واستمر في الانضواء تحت لواء الإمارة الأموية، كما آثر مهادنة جاره محمد بن عبدالملك الطويل الذي كان قد اشتد بأسه بعد سيطرته على عدد من حصون النصارى المجاورة، لذا تعاون الاثنان في حرب ضد نصارى ناقار سنة 298هـ/ 910م.
وبحسب أبا الخيل، لبث عبدالله بن محمد لُب بن موسى زعيمًا لبني قسي في الثغر الأعلى يظهر الولاء للأمير عبدالله، ويرتبط بعلاقة طيبة مع جيرانه من زعماء الأسر الحاكم في المنطقة، ولبث كذلك حتى عصر عبدالرحمن الناصر.